880 م – 907 م
مقدمة
هذا – ولقد جاء جلوس البابا ” خائيل الأول ” – بعد أن أجمعت آراء جميع أبناء الطائفة والأساقفة بعد نياحة البابا الأنبا شنودة الأول ، على إختياره للجلوس على الكرسي الباباوي المرقسي ، حيث تمت رسامته في 30 برمودة سنة 596 ش ، والموافق 25 أبريل سنة 880 م ، ورسم في عهد خلافة المعتمد بن المتوكل ، ولم يتعرض أحمد بن طولون لرسامته ، وذلك لإنشغاله مع إبنه في الحرب ، لأن الحكام كانوا يتعرضون للشعب في رسامة بطريرك لسلب أموالهم ، وعقب رسامة البابا ” خائيل الأول ” ، قام بتعمير الكنائس ، وشيد ما أزيل منها ، غير أن أحزانًا شديدة حلت به.
نذكر من بين الضيقات التي مر بها البابا خائيل الثالث ، خلال فترة بطريركيته للكنيسة القبطية ، أن البابا قسما كان قد بنى كنيسة على إسم الشهيد أبطلماوس ، في بلدة دنوشر لأسقف سخا ، فحدث أن أهالي دنوشر أرادوا أن يدعوا الأب البطريرك وبعض الأساقفة المجاورين لتكريس هذه الكنيسة ، فلم يطب يلقى هذا إستحساناً لدى أسقف دنوشر ، ولكن البابا وما معه من أساقفه واصلوا عملهم على غير رغبته ، وجاء الأب البطريرك ومعه الأساقفة ، لم يقبل هذا الأسقف البقاء ، فخرج من الكنيسة مُدعيًا أنه ذهب ليتفقد الخدمة في أسقفيته ، فأمر بإطعامهم ، فلما طال غيابه كثيرًا ، وحان وقت القداس ، صلي الأب البطريرك صلاة الشكر ، ورفع القربان بعد إلحاح من الأساقفة ، وبما له من حقوق الرئاسة ، ولكن لما علم الأسقف بذلك ، دفعه شره وحبه لمجد العالم إلى الغضب بدعوى أن البابا البطريرك ، تعدى القوانين ، ورفع قربانًا في أبراشيته بدون إذن صاحبها ، وعاد إلى الكنيسة مسرعًا ، إذ دخله الشيطان ، ودفعه إلى الشر ، وتعدى على المذبح المقدس الطاهر – أما البابا البطريرك – فأكمل صلاة القداس بكل هدوء وكمال.
ثم حدث أن قام بعض اليهود ، بمساومة البطريرك البابا ” خائيل الثالث ” على كنيسة الأقباط التي خربت وتهدمت ، فإضطر الوالي لبيعها لهم ولا زال يملكها اليهود حتى تاريخ كتابة هذا الكلام، هذا وباع لهم أيضا أرضا بالبستين لدفن موتاهم بها، وجمع المال أيضا بوضع مقاعد للكنائس للأغنياء بالإيجار! ، بل وأشار إلى نظار الكنائس ببيع النقوش والزخارف الموجودة بالكنائس ، وقاومه الإكليروس والشعب ولكنهم عذروه للضيقة التي مرت بها الكنيسة ، وزادت حيرة البابا عندما وجد أن جميع ما يتحصل عليه اقل من المطلوب ، فذهب إلى تانيس ، وأثناء سيره في الطريق ، ظهر راهباً بثياب باليه لتلاميذ البطريرك ، وقال لهم : ” قولوا لمعلمكم أن الرب سيمزق عنه صك الغرامة بعد أربعين يوماً ، واختفي عنهم واخبروا البطريرك بما رأوه..
فلما علم الأب بذلك طلب الراهب فلم يجده ، وفد تم ذلك ، إذ لم تمض تلك المدة حتى توفي أحمد بن طولون ، وتولَّى مكانه إبنه خمارويه في سنة 875 م ، فرأى هذا أن يخلى طرف البطريرك ، فإستدعاه وطيَّب خاطره ثم مزَّق الصك.
أما الرجل الشرير الذي سَبَّب هذه المتاعب لقداسة البابا خائيل الثالث – فقد نزل به غضب الله في الحياة والممات ، ليكون عبرة لمن يعتبر .
1 – فترة ولاية أحمد إبن طولون
لقد عُرفت الدولة الطولونية ، بأنها الدَّولةُ التي أسسها ” أحمد إبن طولون ” ، وقد سُميت أيضاً بإسم : ( الإِمَارَةُ الطُّولُونِيَّة ) – كما عُرفت أيضاً بإسم ( دَوْلَةُ بَنِي طُولُون ) ، وفقاً لأقدم المصادر .
لم يُفكِّر أحمد إبن طولون بعد إستقلاله السياسي عن الخِلافة ، في الإنفصال الديني عنها ، لأنَّ الخِلافة مثَّلت في نظره ، وفي نظر جمهور المُسلمين ضرورة دينيَّة لإستمرار الوحدة الإسلاميَّة ، ولِأنَّها تُشكِّلُ رمزًا يربط أجزاء العالم الإسلامي المُختلفة ، فحرص على أن يستمرَّ الدُعاء للخليفة العبَّاسي ، على منابر المساجد في مصر والشَّام ، وإعترف بسُلطته الروحيَّة والدينيَّة.